في محبَّة ووداع الزعيم أبونوبة..

بقلم: محمد حسن التعايشي…

في محبَّة ووداع الزعيم أبونوبة…

بقلم: محمد حسن التعايشي…

شقّ عليّ خبر الرحيل المبكر للعم الزعيم عبدالله مصطفي ابونوبة، مثلما أحزنت وفاته المفاجئة أهله ومعارفه الذين عرفوا فضله ومكانته.
لقد كانت روحه خفيفة على النفس، ورحيله ثقيلاً على الأحباب.

التقيت بالزعيم أبونوبة في أكتوبر 2009 بمدينة الدوحة خلال اجتماعات المجتمع المدني الدارفوري في لقاءات سميت وقتها “بأهل المصلحة”. سبق لقاءنا هذا شهرة واسعة له في دارفور خلال تلك السنوات. كان رجلاً شجاعاً جريئاً مثابراً، مختلفاً عن جيله ومتقدماً على زمانه، فكان قائداً مجدداً ورمزاً شعبياً للتغيير.

كرس حياته لقضايا أهملتها سياسات الدولة تاريخياً وحديثاً: التعليم، التنمية واستقرار الرحل. حارب في كلا الاتجاهين بلا ملل، ولكن تقاصرت الأيام دون إنجاز مهامه الجسام ورسالته السامية.

كان من الأوائل الذين اقتحموا التعليم الحديث منذ ايام مجد وبريق نيالا الأميرية رغم تعارض ذلك مع التعليم الديني التقليدي في زمانه، فكسر الجمود والمألوف، ثم قاد بنفسه ثورة التعليم والاستقرار والتنمية. حين قرأت للمفكر أمارتيا سن عن التنمية والحرية والعدالة، لم أجد رجلاً طبق النموذج وحصد نتائجه مثل أبونوبة، بين الكثيرين الذين التقيتهم في مسار التنمية الاجتماعية.

وفي أقل من ثلاثين عاماً، أقام أبونوبة القرى الآمنة والمجتمعات المستقرة، وعزز السلم الاجتماعي في حزام جنوب غرب نيالا، وهو
حزام هده توحش المدينة (نيالا) بيئياً واجتماعياً ، وسياسات الاستخبارات العسكرية التي قادت الي استهداف المقدومية ومجتمعها العريق ومحاولات الأجهزة الامنية المستميتة في هدم إرثها التليد المتمثل في التدامج والتساكن الاجتماعي الذي كرس له اجيال من قيادات المقدومية والمنظومة الاهليه عموماً بجنوب دارفور لقد استمات ابونوبة مع غيرة من الرموز الاهليه بالمنطقه تجنب المصادمات ما بين المزارعين و مجتمعات الرحل والرعاة، في هذا الحزام الاجتماعي والجغرافي الغني بالموارد البشرية والطبيعية.

لقد استطاع أبونوبة أن يجعل من هذه المنطقة شعاعاً للعلم والاستقرار والتنمية، التي قامت على أكتاف الأهالي في غياب متعمد للدولة ودورها. ورحل أبونوبة في مكان وزمان يعظَّم فيه المجتمع القيادات التي سخّرت حياتها لرسالة التغيير وسط المجتمعات والقطاعات المنسية، ان الحزن والتداعي التلقائي الذي تم وسط جميع مكونات دارفور بل والسودان انما تتويج وترميز شعبوي لمن قضي حياته في سبيل حياتهم ومستقبلهم. أن مثل الزعيم أبونوبة يبقى في قلوب الشعوب وأصحاب المصلحة، متربعاً في ذاكرتهم وقلوبهم.

مرّ على هذه الفترة القصيرة، وأقام فيها السلم والعدل والاستقرار، التي عجزت عن تحقيقها دولة ما بعد الاستعمار.كل تلك كانت من خلال السلطة الفعلية التي استمدها من فطنته ومبادرته الطوعية من اجل تطوير وترقية المجتمعات المهملة…

التقيت بالعم أبونوبة في نيروبي، جاء متقدماً أقواماً من تلك النواحي، وحين قرأ ميثاق السودان التأسيسي، قال في مناقشة كنت أديرها: “إن السودان قد حدد نظرياً طريق التأسيس، ويحتاج عملياً إلى قادة صادقين متجردين متصالحين مع مجتمعاتهم لنبدأ مشوار الكفاح من أجل التأسيس”.

وأجاب عن كل استفهامات الحاضرين حول العلمانية بقوله: “لم أسمع بها من قبل”، فكان أكثر واقوي حجة منا نحن أصحاب نظريات الدين والدولة!

لقد فقدنا قائداً وزعيماً مصلحاً وفيلسوفاً شعبياً، قل أن يجود الزمان بمثله.

عاش الزعيم كوالدٍ ومربٍ استثنائي؛ مختلفاً عن التقليد في الدور الأبوي النمطي لمجتمعات البدو. كان صديقاً مقرباً لأبنائه، ومستمعاً شديد الاحترام لآرائهم. وحينما تراه متجادلاً ومازحاً معهم، يخيل إليك أنه أخوهم الأكبر… في آخر زيارة له، جاءني في منزلي قبل انقلاب 25 أكتوبر، ومعه ابنيه الدكتور حذيفة وشقيقه الأصغر، قائلاً وقتها: “أنتم الثلاثة أبنائي، وأنا فخور بكم”. سيظل في قلبي وفكري كوالدٍ وصديق.

رحم الله الزعيم أبونوبة، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.

 

Comments (0)
Add Comment