الطريق إلى البحر و النهر يبدأ من كردفان  ” عائدون عبر إلتقاء السلاح و الإرادة السياسية”  

د.جودات الشريف حامد 

31

الطريق إلى البحر و النهر يبدأ من كردفان 

” عائدون عبر إلتقاء السلاح و الإرادة السياسية”  

د.جودات الشريف حامد

باحث بالمركز الأفريقي للديمقراطية و التنمية

لم تعد المعارك العسكرية الدائرة الآن في كردفان و الفاشر هي مجرد صدى لمعارك هامشية تقتصر تأثيراتها علي جغرافيتها المحلية. بل هي إعلان و دليل ساطع يفند أكاذيب إعلام الفلول وجيشهم ليعلن عن بداية تحول تاريخي لا قِبل للتوقعات المألوفة في السياسية السودانية و أزماتها لها به.فبينما تتواصل المعارك بضراوة في أكثر من موقع و مدينة – كذلك تتواصل إنتصارات قوات-الدعم -السريع في أم عدارة و المشايش و النهود و الخوي مع إستمراية الحصار المُحكم على فرق الجيش في الأبيض و بابنوسة و الفاشر كآخر معاقل للفلول في كردفان و دارفور والتي بدأت تتهاوى الواحدة تلو الأخري بضربات الأشاوس وبندقيتهم المباركة. تواصل قوات-الدعم -السريع بثقة و خطط عسكرية مدروسة بدقة إنتصاراتها الباهرة في مشهد يتوازى في زخمه سياسياً مع إقتراب الإعلان الوشيك لحكومة تحالف السودان الـأسيسي “تأسيس”. إنه إلتقاء السلاح و الإرادة السياسية, بين ميدان القتال وميثاق التأسيس,في لحظة فارقة من عمر السودان.

لم تكن المعارك العسكرية النشطة في كردفان هي مجرد تحركات عسكرية ضمن خارطة الحرب الأهلية التي تريد حكومة بورتسودن “الفلولية” إشعالها في كردفان و نقلها إلى دارفور, كما ظلت تفعل طوال حكم النخب المركزية بل مثّلت و تمثل هذه المعارك التي تدور في كردفان و الفاشر نقطة إرتكازإستراتيجية لإعادة رسم ملامح الصراع و مؤشرات محصلاته التي يبدو أنها ستُحسم بمنطق القوى كما أردها الفلول و البلابسة. و لكن لصالح من ستُحسم الحرب ؟,هذا أمر تجاوب عليه نتائج الميدان العسكري الراهنة,و التي تؤكد و بما لا يدع مجالاً لأكاذيب إعلام الفلول أن الكفة فيها رابحة و راجحة لصالح قوات-الدعم-السريع و حلفائها في “تأسيس. إن الراهن العملياتي يبرهن أن معارك كردفان و إقتراب تحرير الفاشر تمثلان أكبر تقدم إستراتيجي ناضج وواعي لقوات-الدعم -السريع بعد عامين و نيف منذ بداية حرب 15 أبريل, لأنه تقدم عسكري لكسر و نظافة جيوب الجيش الفلولي تماماً من جغرافية الهامش العريض, ففي قلب هذه المعارك تبرز مدينة الأبيض بوصفها عاصمة رمزية في طريق التقدم نحو البحر و النهر و نقطة إلتقاء بين غرب السودان وخرطوم النخب الظالمة , فتحرير الأبيض بعد تحرير النهود أصبح مسألة وقت لا أكثر خاصة و أن المدينة مرهقة عسكرياً منذ عامين, فتحرير الأبيض المتوقع لم يكن فقط هزيمة عسكرية للجيش و نخبه و فلوله بل سيكون إنهياراً لمفهوم “سودان النخب القديم” الذي حكم البلاد بالإستهبال و الإستغلال و الإستغفال و الأوانطة ….إن سيطرة قوات الدعم السريع و رفاق تأسيس علي جغرافية دارفور و كردفان يعني شيئاً واحداً أن الطريق إلى البحر و النهر أصبح ليس فقط ممكناً , بل مشروعاً سياسياً كاملاً لتحالف السودان التأسيسي “تأسيس . فالزحف لم يعد يقتصر على الجانب العسكري بل يمتد إلى تفكيك البنية الرمزية لدولة النخب المركزية من خلال زحف هادر و منظم يملك وضوحاً في الرؤية و دافعاً تحررياً لا يلين. إن ما نشهده اليوم ليس مجرد إعادة توزيع للقوة على رقعة الحرب، بل ولادة لعقد اجتماعي جديد يكتبه الهامش بدمه وإرادته. فالسودان الذي يمضي نحو الخرطوم من بوابات كردفان ليس هو السودان الذي عرفته النخب ولا الذي رسمته الخرائط القديمة. إنه سودان الشعوب لا سودان العواصم، سودان التمثيل لا التهميش، سودان الإرادة لا الامتياز. حين تصل حكومة تحالف السودان التأسيسي إلى الخرطوم، فلن تكون ضيفاً على القصر، بل وريثاً شرعياً لوطن أعاد تشكيل نفسه من رماد الحرب ورؤية الحالمين بالعدالة. وما الطريق إلى الخرطوم، إلا بداية الطريق نحو سودان لا يحكمه مركز، بل تحتضنه الهويات المتعددة في وطن يسع الجميع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.